السبت، 11 يونيو 2011



لقد تحدثت في مادتي السابقة عن بعض الذكريات المرتبطة بالفترة التي كنا فيها صغارا بداخلية مدرسة نعيمة الأوليه تلك الفترة النضرة التي تعلمنا خلالها دروسا كانت لنا زادا عندما صرنا كبارا وآباء لأولاد وأحفاد صغار .
تمثلت تلك الدروس في النظام والاعتماد على النفس والاعداد للحياة حيث أن من مجموعها بيننا بيتا سعيدا هو مطلب كل امرء... لقد علمتنا الداخلية الاعتماد على الذات فكنا نكنس عنابرنا وساحاتنا ونفرش سرائرنا ونغسل ملابسنا ونعد شاي الصباح وننظف فصول الدراسة كل يوم على جماعة وكان يشرف علينا ويتابعنا
ما يسمى –الضابط النبوتجي- أي الضابط –النبوطشي- حتى نكمل ونتقن عملنا فيكون كما يحبه الله ورسوله ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه )) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
في طابور المدرسة اليومي كانوا يتفقدون نظافة ملابسنا وأجسامنا حتى الاظافر ونظافتها وتقليمها مما جعل عادة النظافة ملازمة لنا طوال الحياة لأنها غرست منذ الصغر ، كنا نصحو مبكرين عند الفجر لأداء الصلاة غبر ما يفعله أبناؤنا اليوم الذين لم يسكنوا بالداخلية ولم يعيشوا خارج المنزل يوما واحدا فتراهم ينامون حتى طلوع الشمس بكثير ولا يعرفون قيمة فائدة البكور ،يقومون ويتركون فراشهم كما هو ! وكل شيء حولهم في حالة يرثى لها! يطلبون خدمة امهم وأخوانهم وهم عاطلون خاملون لا يفعلون شيئا مفيدا ولو لأنفسهم.
كانت هناك في تلك الفترة حصص للرياضة حسب الجدول المعلق على الحائط بالفصل وكذلك حصص للفلاحة حيث كنا نزرع البصل والخضروات والجرجير في أحوض بالمدرسة، وكانت هناك جمعيات الأشجار لسقاية الأشجار وتشذيبها وكانت هناك جمعيات الخط والمسرح ،وكانت هناك المكتبة مع الحصص العربي.
وان أنسى فلا أظنني أنسى أسماء الكتب والمجلات التي كنا نقرأها أثناء الحصة وبعدها بالاستلاف مثل مجلة-الصبيان- التي كانت تصدر من مكتب النشر بالخرطوم وبطولات (عمك تنقو) الشهيرة والكتب الممتعة مثل (أحلام ظلوط) (السراب والحمامة ) (العرندس)(شربة ماء) (حذاء الطنبوري) وغيرها، مما جعلنا نهيم في القراءة وحبة الكتاب منذ الصغر حيث أن التعليم في الصغر كما النقش على الحجر .كنا نقيم ليالي السمر على مسرح الداخلية وننتقل بمسارحنا للقرى المجاورة مما جعل بعضنا يهوى ذلك الضرب من الفن ويبدع فيه وأذكر أن بعضنا ذهب لبخت الرضا فوجد هناك القابضين على ناصية المسرح أمثال الأستاذ الحوري والفكي عبد الرحمن وغيرهم من العمالقة فبرع وأبدع أكثر وأكثر .
كنا نقيم يوما رياضيا ومسرحيا في نهاية العام ندعو له الأباء والأمهات ونقدم فيه الجوائز للمسابقات التي يشترك فيها الضيوف مع التلاميذ.
كان معلمونا يقدمون لنا الدروس قبل بداية اليوم الدراسي في حصص دراسية كذلك حصص في العصر خاصة لتلاميذ المرحلة النهائية وكل ذلك مجانا تدفعهم الغيرة على مدرستهم وتلاميذهم حيث يعتزون ويفتخرون بأن مدرستهم كانت في المقدمة بين المدارس التي يتنافس تلاميذها على فرص قليلة لا تزيد عن أربعين فرصة للمرحلة المتوسطة.
بعد تلك الفترة الحلوة انتقلنا للمرحلة الوسطة بمدينة القطينة كانت أياما باهية وخطى زاهية مشيناها وما زال طعمها حلوا لذيذا في أعماقنا كنا نسكن الجزء الشمالي من السوق الحالي في منازل كان يسكنها أهل الوزير والشاعر والمحامي الضليع ووزير العدل الحالي الأستاذ عبد الباسط صالح سبدرات وكانت تسمى داخلية سبدرات كنا نذهب من هذا المكان لسفرة الطعام والتي كانت وسط البلد غرب السوق لأن مباني الداخلية لم تكت قد بنيت وقتها وهي حاليا المدرسة الثانوية بنات.
كنا نأتي صباحا قبل الشروق لشرب الشاي ثم الذهاب للدروس وكنا نمر بطريق العربات القادمة من جنوب القطينة في طريقها للخرطوم وكان أكثرها عربات أهلنا بالقراصة الغربية –المشهورين بالعربات – كان معظمها (هواستن والسفنجات) وكان للأخوين عبد الرحيم صبير وعوض محمد صالح شفاه الله معرفة دقيقة بأسماء اطارات العربات وأنواعها فيرجستون وقوديار وغيرها فكان ينظران في اثار الاطارات على الارض ويقولان هذه عربة فلان نمرتها كذا وكذا وهذه عربة فلان مرت من هنا ، والغريب في الأمر عند الرجوع في المساء من الخرطوم نجد أن ما قالاه صحيح مائة في المائة ماشاء الله تبارك الله الذي في خلقه شؤون.
ومن الشخصيات التي كنا نراها في الصباح الباكر شخصيات كاركاتورية معروقة لدى كل الناس شخصية(عسوم وبت حديد )... ومن الأسماء العالقة في الذهن السيد السنوسي حسين عامل المدرسة الوسطى والسيد محمد عبدالله صاحب بوفيه المدرسة للشاي (الصاموتي) الأكثر شهرة ولاسم السنوسي طرفة لازلت أذكرها حتى اليوم حيث أننا كنا ننطقها السنوسني فأراد أستاذ الانجليزي بالصف الأول ويدعى يس من أبناء الخرطوم تصحيح نطقنا للاسم فقال لنا: قولوا سنوسي /سنوسي... ولما لمس فشلنا استمر ووصل به الحال أن قال لنا بالانجليزي :رددوا من بعديsay after me سنوسي سنوسي فكنا نقولها والضحك يملأنا حتى تسمع لنا قهقهة عالية ولسنوسي طريقة خاصة مميزة في ضرب الجرس نعرفها كلنا عند نهاية الحصة وكنا نفرح عندما يضرب هو الجرس ونسمع صوت نعليه على البلاط.
ومن الشخصيات التي لا تنسى خاصة عند الوجبات الأعمام جاد السيد،العم محمد طه، العم ود خريبان، العم الشاذلي ومعهم نذكر أسماء الطبائخ اليومية المحبوبة والمكروهة مثل العدس الفاصولياء الرجلة الأسود أو(البراطيش) كما كنا نسميه .
كان الذين يدخلون المدارس الحكومية في ذلك الزمان هم الصفوة والأذكياء وكانت المدارس الكبيرة محدودة ومعروفة :حنتوب ،عطبرة الحكومية، خورطقت ،محمد حسين ،القوز ،وادي سيدنا،بيت الأمانة ،المؤتمر.
أما الآن فقد تبدل الحال فصار أضعف وأقل التلاميذ ذكاء ومستوى هم الذين يذهبون للمدارس الحكومية وأصبح ضعفاء النبوغ والمستوى هم الذين يدخلون الجامعات فصار الأمر كما ترون خاصة للكليات العلمية كالطب والهندسة والصيدلة.
إن الذكريات تترا وتتسابق كل تروم سبق الأخرى ولكن عامل الزمن يقف حائلا دون ذلك على وعد بالمواصلة إن شاء الله. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق